الأخلاق في الإسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». [سنن البيهقي وصححه الألباني في الصحيحة (54)]
فكأن مكارم الأخلاق بناء شيده الأنبياء، وُبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتم هذا البناء. فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببعثته صلى الله عليه وسلم، ولأن الدين بغير خلق كمحكمة بغير قاضي، وكذا فإن الأخلاق بغير دين عبث، والمتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن أزمتها أزمة أخلاقية، لذلك نتناول في هذه السلسلة بعض المفاهيم الأخلاقية، وبعض محاسن الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها ومساوئ الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتخلى عنها.
مفهوم الأخلاق لغة واصطلاحًا
الخلق لغة: هو السجية والطبع والدين وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخلق، لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «... واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت». [مسلم (177)]
ويوصف المرء بأنه حسن الظاهر والباطن إذا كان حسن الخلق والخلق.
والخلق اصطلاحًا: عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ولا روية، وهذه الهيئة إما أن تصدر عنها أفعال محمودة وإما أن تصدر عنها أفعال مذمومة، فإن كانت الأولى كان الخلق حسنًا وإن كانت الثانية كان الخلق سيئًا.
هناك فرق بين الخلق والتخلق إذ التخلق هو التكلف والتصنع وهو لا يدوم طويلاً بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلف لا يسمى خلقًا حتى يصير عادة وحالة للنفس راسخة يصدر عن صاحبه في يسر وسهولة، فالذي يصدق مرة لا يوصف بأن خلقه الصدق ومن يكذب مرة لا يقال إن خلقه الكذب بل العبرة بالاستمرار في الفعل حتى يصير طابعًا عامًا في سلوكه.
الأخلاق الإسلامية والأخلاق النظرية
تختلف الأخلاق الإسلامية عن الأخلاق النظرية في جوانب متعددة، منها:
1- أن الأخلاق الإسلامية أخلاق عملية هدفها التطبيق الواقعي وبيان طرق التحلي بها خلافًا للأخلاق الفلسفية التي تركز على الجانب النظري فقط.
2- مصدر فمصدر الأخلاق الإسلامية الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، أما مصدر الأخلاق النظرية فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع «العرف»، ولذلك فهي متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر.
3- مصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله عز وجل له، أما مصدر الإلزام في الأخلاق النظرية فهو الضمير المجرد أو الإحساس بالواجب أو القوانين الملزمة.
خصائص الأخلاق الإسلامية
تتصف الأخلاق الإسلامية بصفات تميزها عن سواها من الأخلاق النظرية المادية منها:
1- واقعية توائم بين الروح والجسد فلا تصادر حاجة الجسد من الشهوات والرغبات بل تضعها في إطارها الشرعي، فرغبة البدن لابد من إشباعها بضوابط شرعية، ولذلك فالقرآن عبر عن مصادرة رغبة البدن بأنها رهبانية مبتدعة: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، فالآيات توضح حق الإنسان في إشباع رغباته بالضوابط الشرعية مع إشباع الروح بالذكر والطاعة والعبادة، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
2- عامة صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج يقول سبحانه: وما جعل عليكم في الدين من حرج، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
3- لا تحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات».
4- مبادئها تقنع العقل وترضي القلب والوجدان، فما من نهي شرعي إلا معه مسوغات ودوافع تحريمه يقول سبحانه: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا، يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه إلى قوله تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، وكذلك الأخلاق الإسلامية تقبلها الفطرة السليمة ولا يرفضها العقل الصحيح.
غاية الأخلاق الإسلامية
نقصد بالغاية الهدف الأقصى للأخلاق الإسلامية، فلكل سلوك إنساني غاية، إلا أن الغاية العظمى للمؤمن هي تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، ولا تتحقق السعادة في الدنيا إلا بالإيمان وفعل الواجبات وترك المحرمات، عند ذلك يشعر العبد برضا ربه عليه، فليست السعادة في كثرة المال ولا في الملك أو الشهرة والمكانة الاجتماعية والحالة الصحية، وإنما السعادة الحقيقية في رضا الله عن العبد، أما في الآخرة فتتحقق السعادة للعبد في أسمى درجاتها بدخول الجنة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين.
وهكذا تتضافر الآيات لتوضح الغاية للمؤمن في الدنيا والآخرة، أما أصحاب الغايات الدنيوية فحالهم كحال من يسعى وراء السراب حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، يقول جل شأنه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.
والسعادة هي الشعور بالارتياح والأمن والسكينة والطمأنينة والنعيم والرضا، وهذه السعادة تتفاوت في أصحابها على حسب ما يتوفر لهم من أسبابها.
والله من وراء القصد